فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال يحيى بن سلام: إلى الأنبياء.
وقال السدّي: إلى العباد برحمة أو نقمة.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح.
وعن الزهري أن جبريل عليه السلام قال له: يا محمد، لو رأيت إسرافيل إن له لاثني عشر ألف جناح منها جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وإن العرش لعلى كاهله وإنه في الأحايين ليتضاءل لعظمة الله حتى يعود مثل الوَصْع والوصع عصفور صغير حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته.
و{أُولُو} اسم جمع لذو، كما أن هؤلاء اسم جمع لذا، ونظيرهما في المتمكنة: المخاض والخَلِفة.
وقد مضى الكلام في {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاع} في النساء وأنه غير منصرف.
{يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاءُ} أي في خلق الملائكة، في قول أكثر المفسرين؛ ذكره المهدويّ.
وقال الحسن: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ} أي في أجنحة الملائكة ما يشاء.
وقال الزهري وابن جريج: يعني حسن الصوت.
وقد مضى القول فيه في مقدّمة الكتاب.
وقال الهيثم الفارسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، فقال: «أنت الهيثم الذي تُزيِّن القرآن بصوتك جزاك الله خيرًا».
وقال قتادة: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} الملاحة في العينين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم.
وقيل: الخط الحسن.
وقال مهاجر الكَلاعِي قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الخط الحسن يزيد الكلام وضوحًا» وقيل: الوجه الحسن.
وقيل في الخبر في هذه الآية: هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن؛ ذكره القُشَيري.
النقاش: هو الشعر الجَعْد.
وقيل: العقل والتمييز.
وقيل: العلوم والصنائع.
{إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من النقصان والزيادة.
الزمخشري: والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق؛ من طول قامة، واعتدال صورة، وتمام في الأعضاء، وقوة في البطش، وحصافة في العقل، وجزالة في الرأي، وجرأة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان، ولباقة في التكلم، وحسن تأتٍّ في مزاولة الأمور؛ وما أشبه ذلك مما لا يحيط به وصف.
قوله تعالى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} وأجاز النحويون في غير القرآن {فلا ممسك له} على لفظ ما و{لها} على المعنى.
وأجازوا {وما يُمْسِك فلا مُرْسِلَ لها}.
وأجازوا {ما يفتُح الله للناس من رحمة} بالرفع تكون ما بمعنى الذي.
أي إن الرسل بُعثوا رحمة للناس فلا يقدر على إرسالهم غير الله.
وقيل: ما يأتيهم به الله من مطر أو رزق فلا يقدر أحد أن يمسكه، وما يمسك من ذلك فلا يقدر أحد على أن يرسله.
وقيل: هو الدعاء؛ قاله الضحاك.
ابن عباس: من توبة.
وقيل: من توفيق وهداية.
قلت: ولفظ الرحمة يجمع ذلك؛ إذ هي منكر للإشاعة والإبهام، فهي متناولة لكل رحمة على البدل، فهو عام في جميع ما ذكر.
وفي موطأ مالك: أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مُطر الناس: مُطرنا بَنْوء الفتح، ثم يتلو هذه الآية {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا}.
{وَهُوَ العزيز الحكيم} تقدم.
قوله تعالى: {يا أيها الناس اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} معنى هذا الذكر الشكرُ.
{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ} يجوز في {غير} الرفع والنصب والخفض، فالرفع من وجهين: أحدهما: بمعنى هل من خالق إلا الله؛ بمعنى ما خالق إلا الله.
والوجه الثاني: أن يكون نعتًا على الموضع؛ لأن المعنى: هل خالق غير الله، و من زائدة.
والنصب على الاستثناء.
والخفض على اللفظ.
قال حُميد الطويل: قلت للحسن: من خلق الشر؟ فقال سبحان الله! هل من خالق غير الله جل وعز، خلق الخير والشر.
وقرأ حمزة والكسائي: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غيرِ اللَّهِ} بالخفض.
الباقون بالرفع.
{يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماء} أي المطر.
{والأرض} أي النبات.
{لاَ إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُؤْفَكُونَ} من الأَفْك بالفتح وهو الصرف؛ يقال: ما أفكَك عن كذا، أي ما صرفك عنه.
وقيل: من الإفك بالكسر وهو الكذب، ويرجع هذا أيضًا إلى ما تقدم؛ لأنه قول مصروف عن الصدق والصواب، أي من أين يقع لكم التكذيب بتوحيد الله.
والآية حجة على القدرية لأنه نفى خالقًا غير الله وهم يثبتون معه خالقين، على ما تقدم في غير موضع.
قوله تعالى: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ} يعني كفار قريش.
{فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} يعزِّي نبيّه ويسلّيه صلى الله عليه وسلم؛ وليتأسَّى بمن قبله في الصبر.
{وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} قرأ الحسن والأعرج ويعقوب وابن عامر وأبو حيوة وابن مُحَيْصِن وحميد والأعمش وحمزة ويحيى والكسائيّ وخلف بفتح التاء على أنه مسمى الفاعل.
واختاره أبو عبيد لقوله تعالى: {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} [الشورى: 53] الباقون {تُرْجَع} على الفعل المجهول. اهـ.

.قال أبو السعود:

سورة فاطر مكية وهي خمس وأربعون آية.
بِسْمِ الله الرحمن الرحيم.
{الحمد للَّهِ فَاطِرِ السموات والأرض} مبدِعهما من غير مثالٍ يحتذيِه ولا قانونٍ ينتحيهِ. من الفَطرِ وهو الشَّقُّ وقيل الشَّقُّ طولًا كأنَّه شقَّ العدمَ بإخراجِهما منه وإضافته محضة لأنَّه بمعنى الماضي فهو نعتٌ للاسمِ الجليلِ ومن جعلها غيرَ محضةٍ جعله بدلًا منه وهو قليلٌ في المشتقِّ.
{جَاعِلِ الملائكة} الكلامُ في إضافتِه وكونِه نعتًا أو بدلًا كما قبلَه وقوله تعالى: {رُسُلًا} منصوبٌ به على الوجهِ الثَّانِي من الإضافة بالاتِّفاقِ وأمَّا على الوجهِ الأوَّلِ فكذلك عند الكِسائِّي وأمَّا عند البصريينَ فبمضمرٍ يدلُّ هو عليه لأنَّ اسمَ الفاعلِ إذا كان بمعنى الماضي لا يعملُ عندهم إلا معرَّفًا باللام وقال أبو سعيدٍ السِّيرافيُّ: اسم الفاعلِ المتعدِّي إلى اثنينِ يعملُ في الثَّانِي لإنَّ بإضافتَه إلى الأوَّلِ تعذرتْ إضافتُه إلى الثَّانِي فتعيِّن نصبُه له وعلل بعضُهم ذلك بأنَّه بالإضافة أشبه المعرَّفِ باللامِ فعمِل عملَه. وقُرئ جاعلُ بالرَّفعِ على المدح وقُرئ الذي فَطَرَ السموات والأرض وَجَعَلَ الملائكة أي جاعلهم وسائطَ بينه تعالى وبين أنبيائه والصَّالحينَ من عبادِه يبلِّغون إليهم رسالاتِه بالوحيِ والإلهامِ والرُّؤيا الصَّادقةِ أو بينه تعالى وبين خلقِه أيضًا حيثُ يوصِّلون إليهم آثارَ قدرتِه وصنعِه هذا على تقديرِ كونِ الجعلِ تصييريًَّا أمَّا على تقديرِ كونِه إبداعيًَّا فرُسلًا نُصب على الحاليَّةِ وقُرئ رُسْلًا بسكونِ السِّينِ {أُوْلِى أَجْنِحَةٍ} صفةً لرُسلًا وأولو اسمُ جمعٍ لذُو كما أنَّ أُولاء اسمُ جمعٍ لذا. ونظيرُهما في الأسماءِ المتمكِّنة المخاضُ والخلفةُ وقوله تعالى: {مثنى وثلاث وَرُبَاعَ} صفاتٌ لأجنحة أي ذَوي أجنجةٍ متعدِّدةٍ مُتفاوتةٍ في العدد حسب تفاوتِ ما لَهُم من المراتب ينزلون بها ويعرجُون أو يسرعون بها والمعنى أنَّ من الملائكة خَلْقًا لكلِّ واحد منهم جناحانِ وخَلْقًا لكلِّ واحد منهم ثلاثة وخَلْقًا آخر لكلِّ منهم أربعة أجنحة. ويُروى أنَّ صنفًا من الملائكة لهم ستة أجنحة بجناحين منها يُلقون أجسادَهم وبآخرينِ منها يطيرون فيما أُمروا به من جهتِه تعالى وجناحانِ منها مرخيَّانِ على وجوههم حياءً من الله عزَّ وجلَّ وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه رأى جبريلَ عليه السَّلامُ ليلةَ المعراجِ وله ستمائةُ جناح ورُوي أنَّه سألَه عليهما السَّلامُ أنْ يترآى له في صورتِه فقال إنَّك لن تطيقَ ذلك قال إنِّي أحبُّ أنْ تفعلَ فخرج عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في ليلةٍ مُقمرةٍ فأتاهُ جبريلُ عليهما السَّلامُ في صورتِه فغُشي عليهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ثمَّ أفاقَ وجيريلُ مسندُهُ وإحدى يديِه على صدرِه والأخرى بين كتفيِه فقال: سبحانَ الله ما كنتُ أرى أنَّ شيئًا من الخلقِ هكذا فقال جبريل عليه السَّلامُ فكيف لو رأيتَ إسرافيلَ له اثنا عشرَ جناحًا جناحٌ منها بالمشرقِ وجناحٌ منها بالمغربِ وإنَّ العرشَ على كاهلِه وإنَّه ليتضاءلُ الأحايينَ لعظمةِ الله عزَّ وجلَّ حتَّى يعودَ مثلَ الوَصَعِ وهو العصفورُ الصَّغيرُ.
{يَزِيدُ في الخلق مَا يَشَاء} استئنافٌ مقررٌ لما قبله من تفاوتِ أحوالِ الملائكةِ في عددِ الأجنحةِ ومؤذنٌ بأنَّ ذلك من أحكام مشيئتِه تعالى لا لأمرٍ راجعٍ إلى ذَواتهم ببيان حكم كلِّي ناطق بأنَّه تعالى يزيدُ في أيِّ خلقٍ كان كلِّ ما يشاءُ أنْ يزيدَه بموجبِ مشيئتِه ومُقتضى حكمتِه من الأمورِ التي لا يحيطُ بها الوصفُ وما رُوي عن النبي عليه الصَّلاةُ والسلامُ من تخصيص بعض المعاني بالذِّكرِ من الوجهِ الحسنِ والصَّوتِ الحسنِ والشَّعرِ الحسنِ فبيانٌ لبعضِ الموادِّ المعهودةِ بطريقِ التَّمثيلِ لا بطريقِ الحصرِ فيها. وقولُه تعالى: {إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} تعليلٌ بطريقِ التَّحقيق للحُكمِ المذكورِ فإنَّ شمولَ قُدرته تعالى لجميعِ الأشياءِ ممَّا يوجبُ قدرتَه تعالى على أنَّ يزيدَ كلَّ ما يشاؤه إيجابًا بيِّنًا.
{مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} عبَّر عن إرسالِها بالفتحَ إيذانًا بأنَّها أنفسُ الخزائنِ التي يتنافسُ فيها المتنافسون وأعزُّها منالًا. وتنكيرُها للإشاعةِ والإبهام أيْ أيَّ شيءٍ يفتحُ اللَّهُ من خزائنِ رحمتِه أيَّة رحمةٍ كانتْ من نعمةٍ وصحَّةٍ وأمنٍ وعلمٍ وحكمةٍ إلى غيرِ ذلكَ ممَّا لا يُحاط به {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} أي لا أحدَ يقدرُ على إمساكِها {وَمَا يُمْسِكْ} أيْ أيَّ شيءَ يُمسك {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} أي لا أحدَ يقدرُ على إرسالِه واختلافُ الضَّميرينِ لما أنَّ مرجعَ الأوَّلِ مفسَّرٌ بالرَّحمةِ ومرجعَ الثَّانِي مطلقٌ يتناولُها وغيرَها كائنًا ما كان وفيه إشعارٌ بأنَّ رحمتَه سبقتْ غَضبه {مِن بَعْدِهِ} أي من بعدِ إمساكِه {وَهُوَ العزيز} الغالبُ على كلِّ ما يشاءُ من الأمورِ التي من جُملتها الفتحُ والإمساك {الحكيم} الذي يفعلُ كلَّ ما يفعل حسبما تقتضيِه الحكمةُ والمصلحة والجملُة تذييلٌ مقررٌ لما قبلها ومعربٌ عن كونِ كلَ من الفتحِ والإمساكِ بموجبِ الحكمةِ التي عليها يدورُ أمرُ التَّكوينِ وبعد ما بيَّن سبحانَه أنَّه الموجدُ للملك والملكوتِ والمتصرِّفُ فيهما بالقبضِ والبسطِ من غيرِ أنْ يكونَ لأحدٍ في ذلك دخلٌ ما بوجهٍ من الوجوهِ أمرَ النَّاس قاطبةً أو أهلَ مكَّةَ خاصَّةً بشكرِ نِعَمِه فقال: {يا أَيُّهَا الناس اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} أي إنعامَه عليكم إنْ جُعلت النِّعمةُ مصدرًا أو كائنةً عليكم إنْ جُعلت اسمًا. أي راعُوها واحفظُوها بمعرفةِ حقِّها والاعترافِ بها، وتخصيصِ العبادةِ والطَّاعةِ بموليها ولمَّا كانتْ نعمُ الله تعالى مع تشعُّبِ فنونِها منحصرةً في نعمةِ الإيجادِ ونعمةِ الإبقاءِ نَفَى أنْ يكونَ في الوجودِ شيءٌ غيرُه تعالى يصدرُ عنه إحدى النِّعمتينِ بطريقِ الاستفهامِ الإنكاريِّ المُنادِي باستحالةِ أنْ يُجاب عنه بنعَم فقال: {هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله} أي هَلْ خالقٌ مغايرٌ له تعالى موجودٌ على أنَّ خالقٍ مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ زيدتْ عليه كلمة مِن لتأكيدِ العُمومِ.
وغير الله نعتٌ له باعتبارِ محلِّه كما أنَّه نعتٌ له في قراءةِ الجرِّ باعتبار لفظِه وقُرئ بالنَّصبِ على الاستثناءِ. وقوله تعالى: {يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والأرض} أي بالمطرِ والنَّباتِ كلامٌ مبتدأٌ على التَّقاديرِ لا محلَّ له من الإعرابِ داخلٌ في حيِّز النَّفي والإنكار ولا مساغَ لما قيل: من أنَّه صفةٌ أخرى لخالق مرفوعةُ المحلِّ أو مجرورتُه لأنَّ معناه نفي وجودِ خالقٍ موصوفٍ بوصفَيْ المغايرةِ والرَّازقيَّةِ معًا من غير تعرُّضٍ لنفيِ وجودِ ما اتَّصف بالمغايرةِ فَقَطْ، ولا لما قيل: من أنَّه الخبرُ للمبتدأِ ولا لما قيل من أنَّه مفسِّر لمضمرٍ ارتفع به قولُه تعالى {من خالقٍ} على الفاعلية عليّه أي هل يرزقكم من خالق الخ. لما أنَّ معناهما نفي رازقيَّة خالقٍ مغايرٍ له تعالى من غيرِ تعرُّضٍ لنفيِ وجودِه رأسًا مع أنَّه المرادُ حتمًا ألا يرى إلى قولِه تعالى: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} فإنَّه استئنافٌ مسوقٌ لتقرير النَّفيِ المستفادِ منه قصدًا وجارٍ مجرى الجوابِ عمَّا يوهمه الاستفهامُ صورةً فحيث كان هذا ناطقًا بنفيِ الوجودِ تعيَّن أنْ يكونَ ذلك أيضًا كذلك قطعًا.
والفاءُ في قوله تعالى: {فأنى تُؤْفَكُونَ} لترتيبِ إنكارِ عدولهم عن التَّوحيدِ إلى الإشراكِ على ما قبلها كأنَّه قيل: وإذا تبيَّن تفرُّده تعالى بالأُلوهيةِ والخالقيَّةِ والرازفيَّةِ فمنْ أيِّ وجهٍ تُصرفون عن التَّوحيدِ إلى الشِّركِ.
{وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ} تلوينٌ للخطابِ وتوجيهٌ له إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بين خطابي النَّاسِ مسارعةً إلى تسليتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعمومِ البليَّةِ أولًا والإشارةِ إلى الوعدِ والوعيدِ ثانيًا أيْ وإن استمرُّوا على أنْ يكذِّبوك فيما بلَّغتَ إليهم من الحقِّ المُبين بعد ما أقمتَ عليهم الحجَّةَ وألقمتَهم الحجرَ فتأسَّ بأولئك الرُّسلِ في المُصابرةَ على ما أصابَهم من قبل قومِهم فوضعَ موضعهَ ما ذُكر اكتفاءً بذكرِ السَّببِ عن ذكرِ المسبَّبِ. وتنكيرُ الرُّسل للتَّفخيمِ الموجبِ لمزيدِ التَّسليةِ والتَّوجهِ إلى المُصابرةِ أي رُسلٌ أولو شأنٍ خطيرٍ وذَوُو عددٍ كثيرٍ {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} لا إلى غيرِه فيُجازِي كَّلًا منك ومنُهم بما أنتُم عليهِ من الأحوالِ التي من جملتها صبرُك وتكذيبُهم، وفي الاقتصارِ على ذكرِ اختصاصِ المرجعِ بالله تعالى مع إبهامِ الجزاءِ ثوابًا وعقابًا من المبالغةِ في الوعدِ والوعيدِ ما لا يَخْفى. وقُرئ تَرْجعُ بفتحِ التَّاءِ من الرُّجوعِ والأوَّلُ أدخلُ في التَّهويلِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{الحمد للَّهِ فَاطِرِ السماوات والأرض} أي موجدهما من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه، فالفطر الإبداع، وقال الراغب: هو إيجاده تعالى الشيء وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها يعني ابتدأتها؛ وأصل الفطر الشق، وقال الراغب: الشق طولًا ثم تجوز فيه عما تقدم وشاع فيه حتى صار حقيقة أيضًا، ووجه المناسبة أن السماوات والأرض والمراد بهما العالم بأسره لكونهما ممكنين والأصل في الممكن العدم كما يشير إليه قوله تعالى: {كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» وصرح بذلك فلاسفة الإسلام قال رئيسهم: الممكن في نفسه ليس وهو عن علته أيس كان العدم كامن فيهما وبإيجادهما يشقان ويخرج العدم منهما.
وقيل في ذلك: كأنه تعالى شق العدم بإخراجهما منه، وقيل: لا مانع من حمله على أصله هنا ويكون إشارة إلى الأمطار والنبات فكأنه قيل: الحمد لله فاطر السموات بالأمطار وفاطر الأرض بالنبات وفيه نظر ستأتي الإشارة إليه قريبًا، وقوله تعالى: {جَاعِلِ الملائكة رُسُلًا} على القولين يحتمل أن يكون معناه جاعل الملائكة عليهم السلام وسائط بينه وبين أنبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالته سبحانه بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة أو جاعلهم وسائط بينه وبين خلقه عز وجل يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه كالأمطار والرياح وغيرهما وهم الملائكة الموكلون بأمور العالم، وهذا أنسب بالقول الثاني لكن يرد عليه أنه لا معنى لكون الأمطار شاقة للسماوات، وقال الإمام: إن الحمد يكون على النعم ونعمه تعالى عاجلة وآجلة، وهو في سورة سبأ إشارة إلى نعمة الإيجاد والحشر ودليله {يَعْلَمُ مَا يَلْجُ في الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ: 2] وقوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة} [سبأ: 3] والحمد في هذه السورة إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة ودليله جاعل الملائكة رسلًا أي يجعلهم سبحانه رسلًا يتلقون عباد الله تعالى كما قال سبحانه {تتلقاهم الملائكة} فيجوز أن يكون المعنى الحمد لله شاق السماوات والأرض يوم القيامة لنزول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض وجاعل الملائكة رسلًا في ذلك اليوم يتلقون عباده، وعليه فأول هذه السورة متصل بآخر ما مضى لأن قوله تعالى: {كما فعل بأشياعهم} [سبأ: 4 5] بيان لانقطاع رجاء من كان في شك مريب، ولما ذكر سبحانه حالهم ذكر حال المؤمنين وبشرهم بإرسال الملائكة إليهم وأنه تعالى يفتح أبواب الرحمة لهم انتهى، وفيه من البعد ما فيه، و{فَاطِرَ} صفة لله وإضافته محضة قال أبو البقاء: لأنه للماضي لا غير، وقال غيره: هو معرف بالإضافة إذ لم يجر على الفعل بل أريد به الاستمرار والثبات كما يقال زيد مالك العبيد جاء أي زيد الذي من شأنه أن يملك العبيد جاء، ومن جعل الإضافة غير محضة جعله بدلًا وهو قليل في المشتقات، وكذا الكلام في {جَاعِلِ وَرُسُلًا} على القول بأن إضافته غير محضة منصوب به بالاتفاق، وأما على القول الآخر فكذلك عند الكسائي، وذهب أبو علي إلى أنه منصوب بمضمر يدل هو عليه لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل عنده كسائر البصريين إلا معرفًا باللام، وقال أبو سعيد السيرافي: اسم الفاعل المتعدي إلى اثنين يعمل بالثاني لأنه بإضافته إلى الأول تعذرت إضافته إلى الثاني فتعين نصبه له.